حين نحاول تصور عالم غير مؤسس على مفاهيم جندرية غربية، فإننا في واقع الأمر نقع في عالم العلوم الخيالية، لأن ذلك يعني ان نتصور مجتمعاً وتاريخاً مختلفاً تماماً عن تلك التي نعيش فيها على مدى مئات السنين.
قد تكون مسألة العلم الخيالي مراوغة بحكم تعريفها، لكن أحد مبادئها هو كونها مبنية على منطق علمي. مع ان هناك محاولة لإدراك هذا النوع كنوع رجولي، إلا أن مؤسسته هي امرأة. في عام 1818 نشرت ماري شيلي روايتها العلمية الخيالية الأولى، فرنكشتاين: أو بروميثيوس العصري. على مر السنين، وفي سنوات السبعينيات على وجه التحديد، ومع تصاعد موجة الفكر النسوي الثانية في الولايات المتحدة، اختارت الكثير من المؤلفات استخدام العلم الخيالي لوصف مجتمعات نسوية تعيش في واقع آخر من الناحية الاجتماعية، الجنسية والبيولوجية. الفنانات المشاركات في هذا المعرض يخلقن هن ايضاً أنواع واقع مختلفة. إنهن يخلقن تصاوير لمناظر تبدو وكانها مأخوذة من عالم آخرن لكنها راسخة ومتجذرة في الواقع اليومي.
إفرات جال-نور تسعى لكسر تقليد رسم المناظر الغربية المبنية على منظور واحد ووحيد للرجل الأبيض البرجوازي. إنها تستخدم بهرجة ألوان غير "واقعية"، وتكسر تسلسل الرسم وقوانين الرسم المنظوري وتضيف "انفجارات" أصباغ لونية. بهذه الطريقة تسعى جال-نور إلى التنزه في المنظر الطبيعي الملموس والتصويري ومعاينته وتقديمه بوسائل جديدة.
نعمه روط تتعامل هي أيضاً مع مناظر البلاد. إنها تقوم بتطويع صورة لشجرة نخيل وكذلك تماثيل الفنانة باتيا ليشينسكي المنصوبة في الأماكن العامة، حيث تنخرط هذه الفنانة في قائمة الأشخاص الذين أسسوا منظر البلاد المحلي من خلال النصب التذكارية التي تم تكريسها لأحداث صهيونية. شجرة النخيل وكذلك النصب التذكارية العمومية تحولت على علامة إسرائيلية، مع ان كلاهما يدلان على تدخل خارجي بالمنظر (في واقع الأمر فإن معظم أشجار النخيل ليست محلية، بل تم استيرادها إلى إسرائيل). تقتلع روط هذه العناصر مرة أخرى من المنظر الذي غُرست فيه وتأخذها إلى فضاء بيني تعيش فيه ما بين ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد، ما بين المادة والتصويرة.
مايا أتون تقدم "المنظر الصوتي" (soundscape) للمعرض من خلال عملها الصوتي مدة (2018). يضم هذا العمل تسجيل لمدة الزمن التي تستغرقها الفنانة لإنتاج رسم في كتاب الفنانة، على هيئة دفتر يوميات سنوي أصدرته بمناسبة مرور مائتي سنة على صدور كتاب فرنكنشتاين. الصوت المعزول عن مفعوله يتم تضخيمه ويحول فضاء قاعة العرض من فضاء "هادئ" إلى فضاء حيوي يتنفس، يحك، يئز ويلسع.
إلهام روكني تلقي نظرة على المناظر الظاهرة في ذكرياتها، كفتاة ترعرعت في طهران وقدمت مع عائلتها إلى البلاد وهي في التاسعة من عمرها. علاقتها بإيران تتم بالأساس بواسطة تصويرات مأخوذة من فضاء الإنترنت. تصف في أعمالها مناظر رائعة لمساجد تطير في الفضاء أو تتواجد في عالم مسطح بالمنمنمات الشرقية، النسوية والغربية معاً. هذه ليست نسخة طبق الأصل عن المنمنمات الإسلامية الغنية، إنما تبسيط موجود في رسوماتها – من زاوية نظر يهودية في إيران وامرأة غربية ومهاجرة في إسرائيل. هكذا تخلق روكني عالماً من المناظر الغريبة والمعروفة، الرائعة والمحددة، المحلية والغريبة معاً.