"الفنّان الحقيقي"

السبت, 30.03.19, 20:00

الأربعاء, 06.11.19

:

سفيتلانا رينجولد

مُتاح

لمعلومات إضافية:

046030800

شارك

الهوية الأصيلة في جوهر مشروع الحضارة الغربية المعاصرة ساهم في صياغتها العديد من الفلاسفة. فالإنسان الأصيل من وجهة نظر الفيلسوف فريدريخ نيتشه هو "الإنسان الأسمى" متعال على نفسه ويخلق عالمه بنفسه بصفته بديل عن الخالق. أما مارتن هيجر فقد قدم تعريفه لبشارة الأصالة حين رأي في الإنسان مخلوقاً لا يتوقف عن الحركة الحرة في "سعي" نحو تحقيق ذاته، حيث يبلغ ذروة تحقيق ذاته حين يقف وحيداً إزاء موته، ألا وهو عدَمه. أما جون بول سارتر فقد كانت نظرته إلى الإنسان كمخلوق محكوم عليه بالحرية ويقر بأن العدَم هو قلب هويته الوجودية.

في الفن المعاصر نجد هذه الأفكار راسخة في أساس مفهوم الفنان الحقيقي بصفته "أصلي"، أي هو مصدر لذاته. لقد حاول الفنانون المعاصرون التمرد على الهويّات المفروضة على الفرد من المجتمع، الدولة، الديانات، المدارس والأهالي. وقد حددوا التوقعات المتعلقة بالدور الاجتماعي وبطبيعة الفن المهنية، ومن خلال ذلك حاولوا السعي للانقلاب على الهويات القومية والحضارية المعروفة. الفن المعاصر في بحثه عن "الأنا الحقيقي" يحاول إبراز المسألة المركزية التي يطرحها الفنان: من يُحرك سيطرة تلك الآلية الاجتماعية لتحديد الهويات والأدوار – مؤسسات المجتمع والدولة أم أنا؟

يختبر هذا المعرض تقويض أسطورة "الفنان الحقيقي" في الفن الإسرائيلي من خلال عدة أعمال فنية، بداية من سنوات السبعينات للقرن الماضي حتى الآن. يقدم المعرض تحدياً لفهم الفنان كتابع مستقر ذو صوت واحد وحقيقي. ويعكس المعرض الجدلية القائمة بين المفاهيم المختلفة تجاه الحقيقة والبدعة، والجدلية بين الواقع والخيال في السياقات الأيديولوجية، الثقافية، العاطفية والجمالية المختلفة. إنه معرض يختبر إمكانيات خلق نسخ للهويات ورتقها بالتوافق مع تلك السياقات.  

الحداثة ذاتها هي مصدر تقويض أسطورة الفنان الحقيقي وتحجيم سيادة التابع الأصيل. ففي الحداثة نشطت تيارات مثل الدادا والسِرْيَالِيَّة التي أفسدت هذا المفهوم من خلال المحاكاة التهكمية الذاتية، الفنتازيا، التنكُّر وخلق هويات بديلة. الخطاب المتشعب الذي بدأ ينمو نتيجة ذلك انحصر في تشابك العلاقات بين الأصل بعيد المنال وبين تشكيلة علامات وتقليدات وبدائل لذلك الأصل.    

مع بروز عصر ما بعد الحداثة في نهاية سبعينات القرن العشرين فقد جلب معه رسالة معاكسة لرسالة التابع الأصيل – رسالة اختلاق، انتحال، زيف وتدليس. بموجب هذه الاستراتيجية المستندة إلى قوانين "كَأنّ" (قوانين يعني)، يتقمص الفنان التصويري شخصيات كما يفعل المُمثل، وهكذا من خلال المناورة والتدليس يعكس هشاشة الحقيقة. على حد تعبير الفيلسوف ميشيل فوكو فإن المُمثل هو أهم مشاغب محتمل في الدولة الحديثة. فبوسع الممثل أن يتناول أسس الثقافة المسيطرة ويهزها، يحرف معناها ويخونها. هكذا يصير بوسعه أن يُثبت لنا كيف يمكن لكياننا المجتمعي – السياسي، الاجتماعي او الاقتصادي – أن يعيش ويتصرف بطريقة مغايرة.

كتعبير عن نقد سياسة الهويات، وهي إحدى العلامات المميزة لعصر الـ "فيك نيوز" (الأخبار الملفقة)، إن الفنانين المعاصرين المشاركون في المعرض يقترحون طرق مختلفة لتقديم أصوات مختلفة وغير متجانسة. كل صوت من تلك الأصوات يُبرز أهمية الاختلاق مقابل مأسسة مرجعية فنية وترسيخ سيرة حياة الفنان. عملية الاختلاق هذه تفضح اصطناعية وزيف الطرق التي تتشكل من خلالها الهوية في المجتمع الإسرائيلي المعاصر.

موجة التقمُّص في الفن الإسرائيلي تنحصر إلى حد كبير في المسائل المرتبطة بالكارثة (هولوكوست) وبالجيش. اختيار هذه المسائل المركزية والمشحونة كموضوع للمصطنعات المتكلفة المسرحية تزيد من حدة الصدمة المتسببة من "انتهاك المقدس"، لكنها تتيح إلقاء نظرة ناقدة على العلاقات بين المواطن والدولة. هناك تخاطُب هويات شبيه يدور كذلك في سياقات الفنانين الفلسطينيين داخل إسرائيل. على حد تعبير الفنّان فريد أبو شقره، يتعين على الفنانين الفلسطينيين أن يدركوا تعقيدات الهويات لكي يدرسوا الاضطهاد الاستعماري الذي تمارسه الثقافة الإسرائيلية بحق الأقليات التي تعيش داخلها. وعلى ما يعتقد فإن من شأن هذا الإدراك ان يمنح الشرعية لخلق لغة بصرية مميزة للأقلية الفلسطينية في إسرائيل.

 

 

 

لشراء التذاكر ومزيد من المعلومات يرجى ترك التفاصيل الخاصة بك